تابعتها بعيني عندما دخلت حيث جلست انا وحيدة،كالعادة، و هي تجوب بين الجالسين برداءها المتهالك تسأل عشرات الأسئلة و تخبرهم جميعاً ألا معين لها الا الله. بعد أن تخلى عنها اخوانها و زوجها الذي طلقها من سنين. يقولون لها ان اوراق معاملتها تتكلف مبلغاً زهيداً من المال، و المسكينة أتت من قرية بعيدة و ليس معها سوى ما يكفي لمواصلاتها فقط. تدور بين الناس لتبحث عمن يساعدها، اداروا وجوهم جميعاً و كأنهم لا يسمعون ولا يرون. نهضت انا لمساعدتها و كانت مترددة ، احتضنتها و اكدت لها أن الناس لبعضها
ثم جاءت لتجلس الى جواري لتعبر لي عن شكرها و امتنانها. و سألتني عن اسمي فسألتها أيضاً عن اسمها و قالت “سمية”. ثم اخبرتني بقصة حياتها التعيسة، تلك القصة التي لم يكن ينقصني أن أسمعها و أرى دموعها تجري على خديها. طلقها زوجها بعد فترة قصيرة من زواجهم الذي اثمر عن ولد وحيد ، ولم يفكر في اعالتها و الانفاق عليها و كأنه طلق ابنه معها. ذلك الابن الذي لم يكن يحسن النطق و الكلام… فأخذت على عاتقها تعليمه و علاجه لدى عيادات التخاطب. و اصرت على أن يكمل تعليمه بمنتهى الصعوبة حتى يتخرج و معه شهادة ليحصل على عمل جيد. تحكي كلمتين ثم تذرف دمعتين حزناً على تخلي الناس عنها و اضطرارها لمواجهة الحياة الشرسة وحيدة
ثم يخرج ابنها ليخبرها انهم مضطرون أن يذهبوا إلى ادارة اخرى لاستكمال بعض الأوراق… فتدور بها الدنيا و تجري إليَ و تطلب مني أن أذهب معها خوفاً من الطريق الذي تجهله. فضحكت و عيني ملؤها الدمع و أخبرتها اني لم انهي أوراق معاملتي بعد. فتظل تدور حول نفسها و هي مترددة ثم خرجت و عادت مرة اخرى بجواري، تطلب مني هذه المرة مبلغاً من المال لاستكمال اوراق ابنها
عيونها زائغة و جسدها متوتر غير مستقر و جيوبها خالية… و بالرغم من ذلك تبذل ما في استطاعتها من اجل ابنها الوحيد … حاضرها و مستقبلها الذي على ما يبدو أنها لا تعرف غيره
إليكِ يا “سمية” أنحنى وأنا أعلم أني قد لا أراكِ ثانية، أقدر كل دمعة قفزت من مقلتيكِ… أقدر كل لحظة لهفة على ابنك و كل مرة عالجتيه فيها. أقدر كل يوم أمسكتِ بيده ذهاباً و اياباً إلى المدرسة حتى لا يتوه و هو غير قادر على الكلام
إليكِ يا “سمية” كتبت سطوراً متواضعة لا تصل إلى مقام قهرك و حبك و أمومتك التي لن أنساها ما حييت، سطوراً شعرت أنها لابد أن تدون في مكان ما اكراماً لقوة نفسك و بشاشة وجهك و ابتسامتك
زهرة لوتس