وللصعود إلى القمر أكثر من طريق

award

تقترب مني ابنتي في حذرها المعتاد كلما احتاجت لمساعدة في اللغة العربية. فأحاول قدر المستطاع أن أساعدها على أن تستنتج بنفسها الاجابات وتصيغها بتعبيرها هي. إلى أن جاءتني ذات يوم لتناقشني في درس بعنوان “الصعود إلى القمر” عن قصة  للرائع الراحل نجيب محفوظ. تحكي قصة رجل تهدم بيته ويريد أن يعيد بناءه على نفس تصميمه القديم بكل ما كان يحمل من تفاصيل لنوافذ على شكل مشربيات يرى من خلال عيونها ما كان من ماضيه، وفوق السطح يبني مخبزه القديم. ثم اشترى قطع اثرية لينثرها هنا وهناك كما كان الحال في السابق. تفاصيل ظن أنه لو أحياها فسيحيي معها ذكرياته مع اهله وجيرانه الذين رحل معظمهم ولم يبق من الماضي الا صوتاً حنوناً يسمعه هو وحده ويطلب منه أن يحاول الامساك بالقمر الذي انبهر لرؤياه من فوق سطح البيت

ثم كان السؤال: ما العلاقة بين عنوان القصة “الصعود إلى القمر” ونهايتها بأن “مد الرجل بده بمنتهى الحب والأمل إلى البدر الساطع”. فتناقشنا قليلاً كعادتنا ثم تركت لها الغرفة لتفكر في الإجابة وانشغلت عنها في أعمالي المنزلية التي لا تنتهي. وبعد قليل اتتني وهي تركض بابتسامة من عثر على كنز لتقول لي: اسمعى بقا يا ستي … وكانت هذه هي اجابتها: “انه صعد باحلامه غير الواقعية إلى القمر وأن أمنيته بالعودة بالزمن إلى الوراء واحيائه من جديد هي امنية بعيدة المنال .. تماماً كالقمر ” . فاحتضنتها هي وكتابها ودفترها حباً لما كَتَبَت بيدها في هذا السياق المختصر الجميل الذي كان مفاجأة لي … ما أجمل هذا النوع من المفاجأت 

هذه المناقشة دارت اصداءها في رأسي بالأمس عندما حضرت الحفل السنوي للمدرسة لتكريم الطلاب المميزين عن العام الدراسي الماضي، وأكرمها الله أن تكون هي من بينهم… نعم هي فنانة المستقبل المتميزة برؤيا شفافة .. بكلمات  رقيقة وعميقة..  وفرشاة غاية في الرشاقة والابداع. والله صدقاً أحدثكم … كان احساسي أنني أنا من صعد إلى القمر من فخري وفرحي بتفوقها وتميزها. وعرفت أني لا احتاج إلا لحدث كهذا لأشعر بأن الدنيا تكافئني على ما لا انتظر مكافأة عليه عادة! . هذه هي “شكراً” التي أريدها وقد ملأت قلبي حلاوة وأشبعت نفسي احساساً بالرضا. ثم ابتسم وانا ارى ابتسامتها العذبة تتخلل رؤوس الجالسين في الصفوف الكثيرة التي تفصلني عنها، فأتمتم بيني وبين نفسي لأدعو لها الله  أن يحفظها ويزيدها علماً نافعاً وأن يزيدني اصراراً و مقدرة على مواصلة الطريق الصعب الذي تهون مصاعبه إذا كان القمر هو منتهاه

زهرة  لوتس

مخزون الحب

أنعم الله عليَ بأن أكون الأصغر في اسرتي، وأعتبرها نعمة حقاً لأني كنت المدللة لسنوات طوال.. لم اعرف معنى أن يكون لي أخ أو أخت أصغر مني .. حتى أني لم أتمنى أن يصغرني أحد، لأظل أنعم وحدي بكل الدلال والاهتمام.

إلى أن أنعم الله عليَ – مرة أخرى-  بأن رزقني بكبرى بناتي.. كنت صغيرة في السن حين جاءت للدنيا، أضاءت حياتي بجمالها و ادفأت قلبي ببسمة ثغرها و حنانها وطيبة قلبها، وخفة ظلها . أراقبها وهي تكبر يوماً بعد يوم وأراقب قلبي يكبر معها وبها ولها ليتسع لأحلامها ومواهبها في عزف الموسيقى وفي الرسم والجرافيكس.. و أيضاً الكب كيك !! 🙂. فنانة مرهفة هي بكل المقاييس، حتى أن لها محاولات شعرية رائعة باللغة الانجليزية.

وكما هي عزيزة على قلبي، عزيزة هي كذلك على قلوب اصدقائها، فهي الأوفى والأكثر اخلاصاً ووداعة ونقاء سريرة. كبرت و تعيش مرحلة المراهقة، واعتبرها ليست فقط ابنتي، بل أختي الصغيرة التي لم أحلم بأجمل منها. لم أكن أعرف أن مخزون الحب الذي حظيت به في طفولتي كان كبيراً هكذا، إلا بعد أن وجدتني بكل الحب أسبغ عليها ما أغدقه  عليَ اخوتي الكبار من الاهتمام والدلال. لقد أصبَحَت أفضل أصدقائي أيضاً، بعد ان انشغل الأهل وانحسر الأصدقاء .. لكل منهم اليوم شأن يغنيه. أستودعها بعض أسراري وأستشيرها في كثير من خواطري وشئوني فتأتيني برأي سديد قد غاب عني لفرط ازدحام افكاري بأمور كبيرة وكثيرة.  

في عيد ميلادها اليوم.. تنطلق أمنياتي لها من أعماق قلبي، أتمنى لها السعادة بقدر ما أدخلتها على قلبي وقلب كل من يعرفها، واتمنى لها الصحة بقدر ما كانت تعتني بي و ترافقني في أيام كبواتي الصحية، وأتمنى لها النجاح في المستقبل الذي تحلم هي به بقدر ما أصبحت هي واخوتها حاضري الناجح ومستقبلي الذي أتطلع اليه من خلالهم. وأتمنى أن ينعم الله عليها بالذرية الصالحة بقدر ما أصلحها لي.

أحمد الله وأشكره على نعمه كثيراً … وأعيذها به -هي وذريتها- من الشيطان الرجيم.

 

زهرة لوتس

في بيتنا قارىء

newbook2

قرأت أول كتاب في حياتي عندما كنت طفلة، كان رائعة أنيس منصور “حول العالم في 200 يوم” ومن بعدها انفتح عالم القراءة في حياتي واصبحت قراءاتي هي ملاذي الذي آوي اليه كلما أغلقت الدنيا صفحاتها في وجهي. بل واصبحت لي طقوسي الخاصة عند قراءة الكتب من فرط اعزازي وتقديري لكل كلمة مكتوبة.

رافقتني كتبي أينما حطت رحالي، وتنوعت مجالات قراءاتي على مر السنين والأحداث إلى أن رزقني الله بالأبناء، فتضاءلت السطور التي اقرأها لانشغالي بتربيتهم. وها هم الآن كبروا واصبح لكل منهم هواية فنية أو رياضية أو حتى مطبخية ! .. لكني لم استطع اغواءهم بقراءة كتب غير الكتب الدراسية – التي تُقرأ على مضض- أو قراءة مقالات غير التي يتداولونها على المواقع الاجتماعية وتحوي موضوعات تافهة في نظري انا طبعاً. الا اني لم افقد الأمل، وكنت اعلم أن وجود الكتاب في مكتبة البيت لابد و أن يؤثر فيهم بشكل أو بآخر.. ربما لم يحن الوقت بعد. كنت اناقشهم في بعضٍ مما اقرأه، أو أدعوهم لمشاهدة فيلم في السينما نكون قد تحدثنا عن قصة كتابه قبل ان يصبح فيلماً، وكنت آخذهم معي للمكتبات وانا اشتري الكتب ليروا بأنفسهم أن هناك الكثيرين من محبي القراءة يطوفون بكل حب في هذا المكان.. طبعاً مع كل الضجر والململة التي تصيبهم من مشوار كهذا لا يناسب اهتماماتهم. لم أيأس ولم اتراجع عن أن أجعلهم يتذوقون نفس الحلاوة التي تغمرني مع الكتب، وكأن ضمير الأم داخلي يؤنبني على انانيتي بالاستئثار بشىء حلو دون ان أقتسمه معهم.. واقول لنفسي ربما لم يحن الوقت بعد.

ثم بدون سابق انذار، فاجأني ابني بعد زيارة غير مخطط لها لإحدى المكتبات بأن اشترى كتاباً ليقرأه.. أخيراً آتت جهودي ثمارها.. بذرة زرعتها منذ زمن وانبتت الآن فقط. أتاني ونظرة فخر ممزوجة بالتردد في عينيه وهو يحمل الكتاب بسعادة.. نظرته تلك تساوي عندي الكثير. أعرف أنه قد يمل بعد عدة صفحات، وقد لا يكمل الكتاب لنهايته، وقد تطول الفترة بين هذا الكتاب و كتاب آخر يليه. لكن المهم أنه بدأ في ادراك أهمية البحث عن الالهام القابع بين صفحات الكتب.. فعنوان الكتاب الذي اختاره -واختلست صورته هنا- يوحي بذلك. قرر أخيراً أن يفتح نافذة جديدة غير الكمبيوتر ليطل منها على الدنيا.. فقد حان الوقت.. ليقرأ !

زهرة لوتس