هُنا كانت القاهرة

أنا … مصرية الهوية و الهوى، قاهرية السكن و الذكريات. غادرتها من سنين و تركت فيها أجمل ما في النفس من شعور… الانتماء. فمنذ ذلك الوقت و انا لا انتمي الى مكان و لا الى انسان، و اصبحت انتمي الى نفسي فقط، و نفسي تحيرني ما بين ذكرياتها المصرية القديمة التي تكاد تمحوها ذكريات الغربة القريبة. اذا نظرت الى نفسي وجدتني اثنتين متعايشتين مع بعضهما البعض و تشبهان بعض و لكن مكون كل منهما مختلف

أين أنا من تلك الفتاة الحالمة التي كانت احلامها و طموحاتها تملاً الدنيا صخباً و افكاراً و ضحكات تعلو الى السماء. بل أين تلك الفتاة من هذه المرأة المثقلة بهموم اليوم و الخوف من الغد و قد جفت مآقيها من سهر الليالي وحيدة تحدث نفسها و نفسها لا ترد حديثاً! … و في نهاية اليوم شاكرة لكل ما انعم به الله عليها

صدق من قال أن البعيد عن العين بعيد عن القلب… فالغياب الطويل من اصعب الاقدار و اغربها، و تصبح العودة محملة بتوقعات كثيرة و خطط وهمية لا تمت للواقع الصادم بشىء

تغيرت القاهرة … وقهرتني انا و اولادي بزحامها و صخبها و مبانيها القديمة، ذلك الذي كان عادياً بالنسبة لي في يوم من الايام، طبعاً لقد هرمنا ! انها انطباعات متوقعة و اظن انها تحدث مع كثير من المغتربين، فتغير المكان و الزمان و المقارنه غير المنصفة بين هناك وهنا تجعلك كالمفقود في الفضاء حتى في مفردات كلماتك التي يسخر منها كثير من السامعين

أما على مستوى الأسرة الحبيبة، فقد كبروا الصغار … و كبروا أيضاً الكبار، و تغيرت المعادلة و زاد عدد الأحفاد، و نقص عدد الأقارب فرحل منهم الكثير و لم يخبروني عنهم حتى أني للأسف لم اكد احزن على أي منهم لكثرتهم

و لغرابة الموقف لم اجد ما احادثهم فيه و لم اشفي شغفهم بمعرفة تفاصيل التفاصيل، وكنت مستمعة متململة اكثر من متحدثة، فبرغم كل الاحداث التي مرت و تمر بي، لم اجد لديً رغبة لمشاركتهم بها. النفس الثانية بداخلي لم ترحب كثيراً بمجلسهم و لا بحواراتهم المكررة و التي تفيض بالشكوى من الجحود و الغلاء و المرض و و و …و الوحدة ! و من أكثر مني يعرفها و يصادقها ليل نهار

أشعر بالخجل من نفسي نحو هذه المشاعر التي كنت اتمنى أن ابادلهم بأحسن منها فهم يستحقون الأفضل. و انتظارهم الحار لي اخجلني و زاد من العبء على نفسي و لا اعرف لذلك سبباً واضحاً

في كل مرة اصل الى القاهرة انتظر منها شيئاً جديداً أو سبباً جديداً حتى اضمها الى قلبي كما كنت افعل سابقاً، و للأسف لم تعطني اياه. و مازلت اتظاهر بأني أحبها – ربما ليس في فصل الصيف الملتهب– او لعلني مازلت احبها و أن فقط طاقة اولادي السلبية تجاهها هي التي كانت تؤذيني و تحجب عني كل ما كنت احبه فيها و اتغنى به

تصحو الآن ذكرى والدي رحمه الله عندما كان في الزمن البعيد يفتح الراديو في الصباح الباكر، و استيقظ أنا على صوت المذيعة تقول “هنا القاهرة” فكنت امازحه صغيرةً و اقول له بأن القاهرة هنا في صالة بيتنا فيضحك و يوافقني القول. و ها أنا بعد عشرات السنين من السفر و العودة يساورني نفس الظن بأن القاهرة … قاهرتي كانت هناك في بيتنا و ذهبت معه، و برغم تكرار العودة ثم السفر مازلت اشتاق اليها في خيالي بقدر اشتياقي لوالدي و اشتياقي لبيتنا القديم  

إلا أنها تبقى رائعة تلك الليالي النيلية المضيئة، و تبقى عزيزة و غالية تلك الضمة الأولى عند الوصول، المفعمة بالحب و الشوق و الحنين و كل الدفء العائلي الذي اتوق اليه، و أبقى أنا احمل لقب “غريبة” مهما اقتربت

زهرة لوتس

أولادكم ليسوا لكم

رزقني الله من الأبناء ثلاثة ، و رزقني معهم من الأقدار أصعبها… اذ قُدِر لي أن أربيهم وحدي في اهم مراحل حياتهم. وحدي سهرت و داويت ، وحدي رافقت الى أول يوم في المدرسة، وحدي للشكوى استمعت و احتويت… كانت ومازالت رحلة شاقة فتربية الأبناء صعبة و تحتاج الى الكثير من التفاني من الأب و الأم لرعايتهم. فإن كنت وحيداً تطير بجناح واحد مثلي أنا، فإليك خلاصة تجربتي التي مازلت اعيشها و أزعم أن لديً ما أقوله

لا خلاف على أن الأبناء نعمة كبيرة بكل نجاحاتهم و اخفاقاتهم ، بكل صلاحهم و عصيانهم. و كما لم يخلق الله بصمات اصابع كأخرى، كذلك نفسيات و شخصيات البشر التي تتشكل في سنوات عمرهم الأولى. و الخطأ الذي يقع فيه الأهل كثيراً هو تطبيق أسلوب تربية موحد على كل الأبناء متجاهلين بذلك الفروق الفردية بينهم. فقد نتفق على أن هناك مبادىء سلوكية أساسية يجب أن ترسخ فيهم، إلا أن حتى هذه المبادىء تحتاج إلى أساليب تطبيق مختلفة تتناسب مع تركيبة شخصياتهم و احتياج كل منهم على حدة

منذ طفولة الأبناء تظهر اختلافاتهم: فهناك الطفل الهادىء الضاحك الذي يحلم به كل زوجين، وهناك الطفل الانطوائي الذي يخشى من الغرباء و يفضل أن يظل منعزلاً، وهناك الطفل الاجتماعي الذي لا يكف عن الثرثرة ، و يصادق كل من يصادفه و يحكي لهم ببراءة عن اسرار البيت ! … كما أن هناك الطفل الفائق النشاط و الذي لا يستطيع أن يهدأ في مكان واحد لدقائق و يضيق به الأهل و المحيطين به

أنماط الأطفال كثيرة .. كما ان الاناث غير الذكور.. و هكذا كلٌ له سماته، بعضها موروث و البعض الآخر مكتسب. فعلينا أن نعرف من هم ابناؤنا وإلى أي نمط ينتمون، ما الذي يميزهم و ما الذي يعيبهم، وما الذي ينقصهم لتتوازن شخصياتهم. لا تلوموا ابنائكم إن لم يحققوا احلامكم لأنها ببساطة ليست أحلامهم!!. و لا تعنفوهم على فشلهم أو تأخرهم الدراسي لأن وراء ذلك نسبة ذكاء… و أسلوب تدريس… و مشاكل في التعلم

الأسباب كثيرة يفندها لكم الأطباء المختصين في علاج الأطفال نفسياً و اجتماعياً ان صعب عليكم تقويم ما لديهم سلوكياً أو دراسياً، هل فكرت يوماً أن ابنك قد يحتاج إلى علاج متخصص و ليس إلى صفعة على وجهه

أولادكم بحاجة دائمة إلى الحب غير المشروط، الحب في اولى خطواتهم، و الحب في عناءهم مع الدراسة، و الحب في تصحيح اخطاءهم. أحبوهم حباً كبيراً و ترجموا هذا الحب إلى خطة تربوية مرنة تتناسب مع عصرهم و مع مستقبلهم الذي ينتظرهم… خطة تتغير بتطورات أعمارهم و شخصياتهم و اهتماماتهم و ردود افعالهم. اعرفوا اولادكم و لا تعاملوهم نداً إلى ند، و انزلوا إلى مستواهم لتعرفوا التحديات التي يواجهونها.. فتأخذوا بأيديهم في تحويل الاحباطات الى آمال كبيرة تتحقق في الحاضر و المستقبل. أنتم تربونهم للغد.. و ما ادراك ما الغد

و ليس أروع من كلمات “جبران خليل جبران” أستكمل بها كلماتي ، وأقتبس هنا بعضاً منها

أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها

في طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم، ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم، فهي تقطن في مسكن الغد الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى و لا في احلامكم

عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الامس 

كلمات من ذهب تصلح لأبناء كل زمان، لأن هناك دائماً مستقبل، ذلك المستقبل الذي تعدون ابناءكم  له… لأنهم أهله

زهرة لوتس

رُدَّ قلبي

بعد ما يقارب السنة … عادت حبيبتي ، عادت ابنتي و صديقة عمري ، و عاد معها جزء من قلبي الذي كان فارغاً بغيابها. أشعر باحساس اكبر من ان تصفه الكلمات ، احساس لا يحسن وصفه سوى خفقات القلب ، احساس وصفته دموعي التي انهمرت لحظة رأيتها تخرج من باب المطار

صدقوا حين قالوا أن أحد أحب الابناء هو الغائب حتى يعود. ألا لعنة الله على الغياب و على الغربة و على المسافات التي قتلتني وأحيتني مرات و مرات طيلة عام من الانتظار و اللهفة في ظل قيود السفر بسبب جائحة كورونا

عادت… و عادت معها الثرثرة المحببة لقلبي و الاسئلة التي لا تنتهي و التي لا اريد لها ان تنتهي حتى  ولو لم يكن لها اجابة عندي. وجدتها و قد أصبحت أكثر نضجاً و حكمة وكأنما مرت عليها سنوات وليست سنة، فقد كانت سنة ليست كغيرها من السنوات التي نعرفها في كتاب العمر. مرت بها ضغوطات كثيرة واجهتها وحدها… غلبتها حيناً و تغلبت هي عليها احياناً أخرى

من يدري! .. فلربما كان هناك جانب مشرق لهذه الأزمة… فقد رأت من الدنيا و من الناس ما لم تره من قبل ، ففي ازمات كتلك فقط تظهر المعادن على حقيقتها. ثم اتخذت وحدها قرارات كبيرة و مهمة في حياتها العملية. أصبحت تعرف ما الذي لا تريده ، وهو الأهم  و الأصعب لتخطيط مسار المستقبل

عادت … و أضاءت ارجاء المنزل بضحكتها التي ادعو الله أن يديمها عليها و علينا، و أصبح المطبخ على قدم و ساق لأجل عيون حبيبتي … فالطبخ احد اساليبي شخصياً للتعبير عن الحب، و هل من اغلى من فلذات اكبادنا لنبثهم حبنا و سعادتنا

من كل قلبي … لكل من يقرأ هنا… أدعو الله أن يحفظ لكم أحبابكم و أن يجمعكم بهم على خير و محبة

زهرة لوتس

الجائحة… الجارحة

بسبب جائحة كورونا لم أرَ ابنتي منذ ما يقرب من ثمانية اشهر، و انا التي كنت اراها كل شهر في اجازات نهاية الاسبوع و الاجازات الاخرى و الاعياد، ثم طوال اجازة الصيف. كانت تقضي معنا اوقاتاً اطول من بعدها عنا. ثم اتت ازمة الكورونا و تداعياتها المفاجئة التي لم نتخيلها حتى في اسوأ احلامنا

بيني و بين نفسي اتألم كثيرا لبعدها و لا تقو عيني على النوم و قرتها بعيدة و لا اعرف متى سيلتأم شملنا ثانية. و هي هناك شبه حبيسة بيتها لشهور طوال و تفتقدني و تفتقد اخوتها و تفتقد الطعام الذي اعده لها بكل وصفات الحب التي اعتادت عليها و تحبها

لكنني بيني و بين نفسي ايضاً قررت ألا ازيد همها هماً و الا اشعرها بمرارة هذا الشتات الاجباري، بل انتهزها فرصة لأقترب منها اكثر –ان صح التعبير- حتى احتويها و ادفئ وحدتها و اؤنس وحشتها لعلها تطمئن و اكون انا على تواصل دائم بها

كانت الفكرة ان نتواصل سوياً اطول وقت ممكن، و ان نفعل نفس الشىء في نفس الوقت معاً و نفتح كاميرات الفيديو لتحكي و تشكي و تثرثر كعادتها منذ صغرها. كنت – و مازلت – اطلب لها اكلات اونلاين خاصة الاكلات المصرية التي تحبها  و اطبخ مثلها عندي و نأكلها سوياً عبر الكاميرا.  ارسل لها نسخة الكترونية لكتاب خفيف و نقراًه معاً  او نناقش بعضنا البعض في محتواه. اعطيتها كل تفاصيل اشتراكاتي في قنوات تليفزيونية و مواقع ادبية و فكرية متنوعة حتى تستطيع ان تتصفحها دون ان تحمل هم تكاليف الاشتراك فيها

اعتبرتها فرصة ايضاً لتقترب اكثر من اخوتها و كل منهما له حوار خاص معها و اشجعهم ان يكون حواراً ضاحكاً ساخراً يرفه عنها و عنهم و يخفف على قلوبهم، و أيضاً يبقيها على علم بكل ما يحدث في البيت حتى الأمور البسيطة و التافهة احياناً ، فهو بيتها أيضاً

كتبت ابياتاً دامعة و ارسلتها لها و لم اخف من ان تدمعها ايضا ، فلا عيب في ان تنفس عن قلبها معي و تدمع على كتفي حتى ولو كان افتراضياً ، ولا ضير من التعبير و التنفيس عن بعض من مشاعرنا اياً كان لونها

ثم بين الحين و الآخر افاجئها بهدية ما ارسلها لها عن طريق المواقع الالكترونية الجميلة التي كانت اكبر عون لي في هذه الايام الصعبة… حتى لاكاد اقول انها لم تعد بنفس الصعوبة بقدر صبرنا و تفهمنا و بقدر ايماننا بالله الحافظ. هدايا تترك اثراً عليها اعرفه جيداً ، فيأتيني صوتها سعيداً عبر الأثير لتقول لي “ماما…كلفتي نفسك”. و الله يا ابنتي لو املك ان احضر لك الدنيا كلها لفعلت و اراكِ على خير

و ابقى انا هنا … و تبقى هي هناك ، لا اعلم متى سأضمها إلى حضني الحقيقي ! يقولون لي قريباً …قريباً، حتى اني ما عدت اعرف ماذا تعني كلمة قريباً

زهرة لوتس

وللصعود إلى القمر أكثر من طريق

award

تقترب مني ابنتي في حذرها المعتاد كلما احتاجت لمساعدة في اللغة العربية. فأحاول قدر المستطاع أن أساعدها على أن تستنتج بنفسها الاجابات وتصيغها بتعبيرها هي. إلى أن جاءتني ذات يوم لتناقشني في درس بعنوان “الصعود إلى القمر” عن قصة  للرائع الراحل نجيب محفوظ. تحكي قصة رجل تهدم بيته ويريد أن يعيد بناءه على نفس تصميمه القديم بكل ما كان يحمل من تفاصيل لنوافذ على شكل مشربيات يرى من خلال عيونها ما كان من ماضيه، وفوق السطح يبني مخبزه القديم. ثم اشترى قطع اثرية لينثرها هنا وهناك كما كان الحال في السابق. تفاصيل ظن أنه لو أحياها فسيحيي معها ذكرياته مع اهله وجيرانه الذين رحل معظمهم ولم يبق من الماضي الا صوتاً حنوناً يسمعه هو وحده ويطلب منه أن يحاول الامساك بالقمر الذي انبهر لرؤياه من فوق سطح البيت

ثم كان السؤال: ما العلاقة بين عنوان القصة “الصعود إلى القمر” ونهايتها بأن “مد الرجل بده بمنتهى الحب والأمل إلى البدر الساطع”. فتناقشنا قليلاً كعادتنا ثم تركت لها الغرفة لتفكر في الإجابة وانشغلت عنها في أعمالي المنزلية التي لا تنتهي. وبعد قليل اتتني وهي تركض بابتسامة من عثر على كنز لتقول لي: اسمعى بقا يا ستي … وكانت هذه هي اجابتها: “انه صعد باحلامه غير الواقعية إلى القمر وأن أمنيته بالعودة بالزمن إلى الوراء واحيائه من جديد هي امنية بعيدة المنال .. تماماً كالقمر ” . فاحتضنتها هي وكتابها ودفترها حباً لما كَتَبَت بيدها في هذا السياق المختصر الجميل الذي كان مفاجأة لي … ما أجمل هذا النوع من المفاجأت 

هذه المناقشة دارت اصداءها في رأسي بالأمس عندما حضرت الحفل السنوي للمدرسة لتكريم الطلاب المميزين عن العام الدراسي الماضي، وأكرمها الله أن تكون هي من بينهم… نعم هي فنانة المستقبل المتميزة برؤيا شفافة .. بكلمات  رقيقة وعميقة..  وفرشاة غاية في الرشاقة والابداع. والله صدقاً أحدثكم … كان احساسي أنني أنا من صعد إلى القمر من فخري وفرحي بتفوقها وتميزها. وعرفت أني لا احتاج إلا لحدث كهذا لأشعر بأن الدنيا تكافئني على ما لا انتظر مكافأة عليه عادة! . هذه هي “شكراً” التي أريدها وقد ملأت قلبي حلاوة وأشبعت نفسي احساساً بالرضا. ثم ابتسم وانا ارى ابتسامتها العذبة تتخلل رؤوس الجالسين في الصفوف الكثيرة التي تفصلني عنها، فأتمتم بيني وبين نفسي لأدعو لها الله  أن يحفظها ويزيدها علماً نافعاً وأن يزيدني اصراراً و مقدرة على مواصلة الطريق الصعب الذي تهون مصاعبه إذا كان القمر هو منتهاه

زهرة  لوتس

اقترب اكثر

في حياتنا اليومية يمر الناس امامنا سريعاً.. واحياناً سريعاً جداً حتى انك لا تكاد تلحظ ملامحهم أو افعالهم واقوالهم. وفي حياتنا الخاصة قد تشغلنا اعبائنا وامنياتنا للمستقبل عن النظر بتمعن في تفاصيل الحاضر. حتى ولو كان الحاضر هذا يعني أقرب الناس اليك.

كنت قد قررت أن أوقف عجلة الزمن لبضعة ايام لأسافر مع اولادي في عطلة صيفية قصيرة. علّنا نستعيد صيغة المعادلة المرحة التي كنا نطبقها في حياتنا بعد ان اربكتنا هموم الدنيا وهموم “أم الدنيا“.

هذه الأجازة كانت فرصة لأن اعيد تقييمي لهم عن قرب وهم في مزاج رائق ومتحمسين للتغيير والتجديد. فبالرغم من أنني أهتم بهم كثيراً وأضعهم على رأس قائمة أولوياتي إلا أن تواجدنا مع بعض .. ليل نهار.. لعدة أيام كان مفيداً ومداعباً للقلب ومدفئاً للروح. أعدت اكتشافهم من جديد، فرأيت ميزة هنا .. ولمحت عيباً هناك، ولمست نضجاً .. وقيمت طريقة تعاملهم مع بعض… فرأيت الأنانية .. ورأيت الصبر.. وغمرتني الصغيرة بشقاوتها. مختلفين كثيراً عن بعضهم البعض.. سبحان الله !

كان عليً أن استوعب كل منهم بقدر ما يحتاج اليه من اهتمام أو تطييب خاطر..  أو توجيه خفيف – فهذا ليس وقته – واضطررت للفرملة في بعض المواقف. لا شك أن للشباب جموحه وشططه .. كما للأطفال. في الحقيقة مهمتي كانت صعبة بعض الشىء، فغرضي هو الترويح عن الجميع واستعادة النشاط والبهجة، ولكن رغماً عني كانت عين الأم لا تكف عن ملاحقتهم انما في صمت حتى لا يضيقوا بي أو ينفروا مني. وهذا كان في نظري احد اهم جوانب هذه العطلة اللطيفة.

أما الجانب الآخر .. فقد كان مرحاً مليئاً بالترفيه والأحاديث ولحظات الانبهار بكل جديد نراه أو نفعله .. يعجبني جداً استخدامي لنون الجماعة هنا “نراه” ، “نفعله” .. الحقيقة انه فضلاً عن استعادة النشاط و الترويح عن النفس فإن الشعور باللمة الأسرية هو ما فزت به في اجازتي، فبضعة ايام كانت كفيلة بأن تلقي بنسيم عليل على قلبي وقلوبهم.

اقترب من احبائك اكثر.. شاهد بقلبك ما لاتراه عينك وحجبته عنك همومك ومشاغلك. اقترب .. واحذر أن تطبق على انفاسهم، فالحب الجارف احياناً وخاصة للأبناء قد ينسينا المسافات الفاصلة التي يحتاجون اليها حتى ينعموا بالخصوصية وتتربى لديهم الاستقلالية. اقترب وانعم بدفء لحظات ثمينة هي كل ما سيتبقى لك بعد أن يفر كل منهم إلى حياته الخاصة المُقدرة له.

أسعد الله أوقاتكم مع من تحبون.. ويحبونكم !

 

زهرة لوتس

مخزون الحب

أنعم الله عليَ بأن أكون الأصغر في اسرتي، وأعتبرها نعمة حقاً لأني كنت المدللة لسنوات طوال.. لم اعرف معنى أن يكون لي أخ أو أخت أصغر مني .. حتى أني لم أتمنى أن يصغرني أحد، لأظل أنعم وحدي بكل الدلال والاهتمام.

إلى أن أنعم الله عليَ – مرة أخرى-  بأن رزقني بكبرى بناتي.. كنت صغيرة في السن حين جاءت للدنيا، أضاءت حياتي بجمالها و ادفأت قلبي ببسمة ثغرها و حنانها وطيبة قلبها، وخفة ظلها . أراقبها وهي تكبر يوماً بعد يوم وأراقب قلبي يكبر معها وبها ولها ليتسع لأحلامها ومواهبها في عزف الموسيقى وفي الرسم والجرافيكس.. و أيضاً الكب كيك !! 🙂. فنانة مرهفة هي بكل المقاييس، حتى أن لها محاولات شعرية رائعة باللغة الانجليزية.

وكما هي عزيزة على قلبي، عزيزة هي كذلك على قلوب اصدقائها، فهي الأوفى والأكثر اخلاصاً ووداعة ونقاء سريرة. كبرت و تعيش مرحلة المراهقة، واعتبرها ليست فقط ابنتي، بل أختي الصغيرة التي لم أحلم بأجمل منها. لم أكن أعرف أن مخزون الحب الذي حظيت به في طفولتي كان كبيراً هكذا، إلا بعد أن وجدتني بكل الحب أسبغ عليها ما أغدقه  عليَ اخوتي الكبار من الاهتمام والدلال. لقد أصبَحَت أفضل أصدقائي أيضاً، بعد ان انشغل الأهل وانحسر الأصدقاء .. لكل منهم اليوم شأن يغنيه. أستودعها بعض أسراري وأستشيرها في كثير من خواطري وشئوني فتأتيني برأي سديد قد غاب عني لفرط ازدحام افكاري بأمور كبيرة وكثيرة.  

في عيد ميلادها اليوم.. تنطلق أمنياتي لها من أعماق قلبي، أتمنى لها السعادة بقدر ما أدخلتها على قلبي وقلب كل من يعرفها، واتمنى لها الصحة بقدر ما كانت تعتني بي و ترافقني في أيام كبواتي الصحية، وأتمنى لها النجاح في المستقبل الذي تحلم هي به بقدر ما أصبحت هي واخوتها حاضري الناجح ومستقبلي الذي أتطلع اليه من خلالهم. وأتمنى أن ينعم الله عليها بالذرية الصالحة بقدر ما أصلحها لي.

أحمد الله وأشكره على نعمه كثيراً … وأعيذها به -هي وذريتها- من الشيطان الرجيم.

 

زهرة لوتس

في بيتنا قارىء

newbook2

قرأت أول كتاب في حياتي عندما كنت طفلة، كان رائعة أنيس منصور “حول العالم في 200 يوم” ومن بعدها انفتح عالم القراءة في حياتي واصبحت قراءاتي هي ملاذي الذي آوي اليه كلما أغلقت الدنيا صفحاتها في وجهي. بل واصبحت لي طقوسي الخاصة عند قراءة الكتب من فرط اعزازي وتقديري لكل كلمة مكتوبة.

رافقتني كتبي أينما حطت رحالي، وتنوعت مجالات قراءاتي على مر السنين والأحداث إلى أن رزقني الله بالأبناء، فتضاءلت السطور التي اقرأها لانشغالي بتربيتهم. وها هم الآن كبروا واصبح لكل منهم هواية فنية أو رياضية أو حتى مطبخية ! .. لكني لم استطع اغواءهم بقراءة كتب غير الكتب الدراسية – التي تُقرأ على مضض- أو قراءة مقالات غير التي يتداولونها على المواقع الاجتماعية وتحوي موضوعات تافهة في نظري انا طبعاً. الا اني لم افقد الأمل، وكنت اعلم أن وجود الكتاب في مكتبة البيت لابد و أن يؤثر فيهم بشكل أو بآخر.. ربما لم يحن الوقت بعد. كنت اناقشهم في بعضٍ مما اقرأه، أو أدعوهم لمشاهدة فيلم في السينما نكون قد تحدثنا عن قصة كتابه قبل ان يصبح فيلماً، وكنت آخذهم معي للمكتبات وانا اشتري الكتب ليروا بأنفسهم أن هناك الكثيرين من محبي القراءة يطوفون بكل حب في هذا المكان.. طبعاً مع كل الضجر والململة التي تصيبهم من مشوار كهذا لا يناسب اهتماماتهم. لم أيأس ولم اتراجع عن أن أجعلهم يتذوقون نفس الحلاوة التي تغمرني مع الكتب، وكأن ضمير الأم داخلي يؤنبني على انانيتي بالاستئثار بشىء حلو دون ان أقتسمه معهم.. واقول لنفسي ربما لم يحن الوقت بعد.

ثم بدون سابق انذار، فاجأني ابني بعد زيارة غير مخطط لها لإحدى المكتبات بأن اشترى كتاباً ليقرأه.. أخيراً آتت جهودي ثمارها.. بذرة زرعتها منذ زمن وانبتت الآن فقط. أتاني ونظرة فخر ممزوجة بالتردد في عينيه وهو يحمل الكتاب بسعادة.. نظرته تلك تساوي عندي الكثير. أعرف أنه قد يمل بعد عدة صفحات، وقد لا يكمل الكتاب لنهايته، وقد تطول الفترة بين هذا الكتاب و كتاب آخر يليه. لكن المهم أنه بدأ في ادراك أهمية البحث عن الالهام القابع بين صفحات الكتب.. فعنوان الكتاب الذي اختاره -واختلست صورته هنا- يوحي بذلك. قرر أخيراً أن يفتح نافذة جديدة غير الكمبيوتر ليطل منها على الدنيا.. فقد حان الوقت.. ليقرأ !

زهرة لوتس

كلمات صغيرة

تفتح دفترها .. و بمدادٍ من دمع ٍ تكتب كلمة

ثم كلمة..

لا تعرف ماذا كتبت ، لا تدري كم سطرٍ تركت

كم من حبات الدمع الغالي قد سكبت

ثم كلمة ..

تمحو عنها أثر الدمع ، ثم سؤال ملء السمع

من عذبها بجلسة كهذه ، أمام الصفحة هذه ؟

ثم كلمة .. 

ترسم بعدها ما تراه من خيالات

 سمعت عنها من شخص ما بالذات

 ثم كلمة ..

يتلوها الحلم بملء الدنيا أمنيات

لتكافئها على ما خطت من كلمات

ثم تكفكف دمع العسل الأخضر في عينيها

ثم تنهيدة ..

ثم .. والله آآآآآخر كلمة  !

هذه المحاولة الشعرية ليست عن لغز أو قصة قصيرة من وحي الخيال .. انها ابنتي الصغيرة .. حين تكتب الواجب المدرسي للغة العربية .. ثلاث مرات في الأسبوع !!!!

زهرة لوتس