أدب الرحلات لم يكن لمكتبتي حظاً وفيراً منه إلا من خلال بعض القراءات على فترات متباعدة فقد استهوتني نوعيات أخرى من الكتب باللغتين العربية والإنجليزية. ثم و بدون سابق انذار أجدني أقرأ مجدداً في أدب الرحلات للرحالة الكويتي عبد الكريم الشطي من خلال كتابه الجديد “تسكٌع في أمريكا اللاتينية” الذي صدرت طبعته الكلاسيكية في 500 نسخة فقط في صيف 2017 و الذي يعد تجربته الثانية بعد كتابه “تسكٌع على الخريطة”. يرتحل فيه المؤلف بين صور حيَة يصحبك معه من هنا إلى هناااااك و إلى أبعد .. بدءاً من الأرجنتين إلى فنزويلا فالمكسيك ثم إلى كوبا
التسكع في شوارع و حارات هذا الكتاب ممتع و في نفس الوقت يبعث على الغيرة، لماذا لم يفكر الكثيرون في السفر إلى هذه القارة من قبل بنفس اقبالهم على السفر إلى وجهات أخرى مكررة. فقد لا يعرف البعض عن الأرجنتين أكثر من كرة القدم التي لا احبها شخصياً، و فنزويلا مثلاً مسابقات ملكات الجمال!! بالاضافة إلى بعض المعلومات البسيطة التي قد نتعثرفيها بالصدفة على الانترنت، أو عند حدوث كوارث طبيعية فيها
لكن هنا ستعرف نوعا آخرمن الجمال… ذاك الاختلاف العميق بين حضارات الشعوب و لغاتهم و اجواء الطبيعة وعناصرها، كيف هي حياتهم .. ما الذي يضحكهم و ما هي همومهم.. ماذا يأكلون .. حتى تصل إلى التعرف على خطوطهم الحمراء. و الأهم هو ردة الفعل و التجاوب مع هذا الاختلاف. ففي الأرجنتين ماهو أبعد و أنأى من كرة القدم … و تطغى خطورة فنزويلا على جميلاتها.. وهكذا تجد بُعداً آخر للحياة يخوضه المؤلف بجرأة تختلط بحمرة الخجل أحياناً، يُسمعك أفكاره الشرقية و يُطعمك مما يحمله معه من تمر بلاده ثم يدعوك إلى مائدته أينما كانت .. في مطعم راقٍ أو فوق جبل ما ليذيقك عصير التجربة كلها إلى آخر قطرة و بمنتهى الصراحة، فقد كان في مواجهة مع نفسه في العديد من المواقف وكانت من أكثر الأجزاء تشويقاً… حديث النفس
راقت لي عشوائية ترحاله، تشعر كأنه هارب من شىء أو باحث عن شىء لا نعرف ما هو، يغمره الفضول لاستكشاف هوية الآخر و هوية أرضه معاً. أسلوبه سلس و عباراته قصيرة محددة فلا يغشاك الملل عند ناصية الأحداث. حماسه للسفر-وليس أي سفر- ينعش العقل بقدرته على التصوير و الإيجاز و المقارنة و التعليق الساخر حتى من نفسه أحياناً. كما أعجبتني قدرة المؤلف على وصف المدن بكلمة واحدة فقط اختصر فيها الانطباع الذي تركته المدينة عليه، و ملاحظاته المدهشة عن توأمة الدول العربية مع الدول اللاتينية
أنهيت هذا الكتاب في وقت قصير، وتقييمي له بأنه نسمة هواء عليلة مفاجئة في وسط حرارة و زخم المؤلفات الأخرى الدسمة والروايات الطويلة التي قد يتركك بعضها متعباً مثقلاً بالأفكار و الشجن
تسكٌع في أمريكا اللاتينية” أعتبره تعريفاً جيداً لمعنى الحل و الترحال.. و أنصح جداً بقراءته و أتمنى أن يروق لكم أيضاً”
زهرة لوتس